بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد
خلق الجن
خلقهم من نار
إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تدل دلالة قاطعة على أن الجن خلقوا من النار، كما خلق الإنسان من الطين، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1- يقول الله تعالى على لسان إبليس حين أمره بالسجود لآدم –عليه السلام-: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين(12))
2- وإبليس كان من الجن بنص القرآن، يقول تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) الآية(12)
3- ويقول الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصل من حمإ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم(27))
يقول الطبري: "وعنى بالجان هاهنا: إبليس أبا الجن، يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم".
وكذلك يقول القرطبي في تفسيرها: "أي من قبل خلق آدم. وقال الحسن: يعني إبليس ، خلقه الله تعالى قبل آدم –عليه السلام.
4-ويقول تعالى: (وخلق الجان من مارج من نار(15))
5- وقد أخرج في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "خلقت الملائكة من نور، والجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".
أصنافهم ومراتبهم
الجن ثلاث أصناف، كما جاء في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "الجن ثلاث أصناف: فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون".
قال ابن عبد البر: الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون على مراتب:
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا: جني.
2- فإن أرادوا أنه ممكن يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمار.
3- فإن كان ممن يعرض للصبيان. قالوا: أرواح.
4- فإن خبث وتعزم فهو شيطان.
5- فإذا زاد على ذلك فهو مارد.
6- فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت، وجمعه عفاريت.
خلقهم ذكورا وإناثاً
يوجد في عالم الجن الذكور والإناث وبذلك يتم تزاوجهم وتناسلهم.
1- قال الله سبحانه وتعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا).
هذه الآية تفيد بأن هناك رجالاً من الجن، وهو الأمر الذي يتطلب نوعا آخر منهم وهو الإناث، أم متى كان فيهم رجال ففيهم إناث البتة.
2- كما يدل على ذلك قوله تعالى: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان(56)) فهو يشير إلى وجود ذكور الجن.
وقد امتن الله على الخلائق بأن جعل فيهم من كل جنس نوعين الذكر والأنثى.
3- قال تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون(49)).
أماكن تواجد الجن ومساكنهم
(أ) أماكن تواجدهم:
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، فهم من أهل الأرض وقد أرسل إليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي بيانه.
وقد حال الله بينهم وبين الإضرار بالناس بنواميس يعلمها الله تعالى، ومن النادر أن يحدث منهم إضرار بالبشر، ولعل ذلك ليشعر الناس بوجودهم، ويدركون عظمة الله وقدرته إلى جانب رحمته وفضله، فبضدها تتميز الأشياء. لأن قدرته تعالى أن يخلق كائنات مضرة ولكنه يلزمها حدودها.
قال ابن تيمية: "يوجدون كثيراً في الخراب والفلوات، ويوجدون في مراضع النجسات كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والمقابر. والشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، وتكون أحوالهم شيطانية لا رحمانية يأوون كثيراً إلى هذه الأماكن التي هي مأوى للشياطين.
وقد جاءت الآثار بالنهي عن الصلاة فيها، لأنها مأوى للشياطين. والفقهاء منهم من علل النهي بكونها مظنة النجاسات ومنهم من قال: إنه تعبد لا يعقل معناه. والصحيح أن العلة في الحمام وأعطاه الإبل ونحو ذلك أنها مأوى الشياطين، وفي المقبرة أن ذلك ذريعة إلى الشرك، مع أن المقابر تكون أيضاً مأوى الشياطين".
1- ولذلك كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
2- وأخرج أبو داود في سننه، عن زيد بن الأرقم ، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث".
فإذا قال المختلي الدعاء احتجب عن إبصارهم، فلا يرون عورته.
3- كما روى ابن ماجة في سننه عن علي –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم، إذا دخل الكنيف، أن يقول بسم الله".
وفي لفظ الترمذي: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله".
4- وأخرج أبو داود، من طريق قتادة، عن عبدالله بن سرجس: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "نهى أن يبال في الجحر". قال: قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن.
وما قاله قتادة محمول في الظاهر على السماع من الصحابة وإذا سمعه من الصحابة فقد يكون في حكم المرفوع، لأن أمثال هذه المسائل يقال فيها بالاجتهاد، اللهم إذا استدل بعمومات بعض النصوص الدالة على أن الجن يفضلون بعض الأماكن المهجورة والمظلمة والصحاري والجبال، ولذا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يخرج إليها فيدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن، ويعلمهم أمور دينهم. وستأتي الآثار التي تدل على وفادة الجن المروية عن ابن عباس وابن مسعود في الباب الثالث ان شاء الله.
وكذلك غالباً ما يوجد الجن في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق.
5- فقد أوصى الرسول –صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه قائلاً: "لا تكونن، إن استطعت، أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها. فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته".
ومما ينبغي الإشارة إليه أن الأسواق إنما كانت مجمعاً للشياطين ليس على أنها أماكن يسكنونها كالفلوات والحمامات مثلا وإنما لكونها فرصة لإغواء بني آدم وتزيين المعاصي والشرور لهم في مثل هذه التجمعات.
وأنهم يحبون الجلوس بين الظل والشمس، لذا نهى الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس بينهما.
6-كما روى أحمد بن حنبل في مسنده: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجلس بين الضحى والظل وقال مجلس الشيطان".
وأنهم يبيتون في البيوت التي يسكنها الناس، وتطردهم التسمية وذكر الله، وقراءة القرآن. فإذا خلا البيت من السكان استوطنه الجن وعكفوا فيه.
وأنهم يتواجدون في معابد الكفرة وأحياناً يدخلون الأصنام ويكلمون عابديها.
قال ابن تيمية: "والأصنام لها شياطين كانت تتراءى للسدنة أحياناً وتكلمهم أحياناً، قال أبي بن كعب: مع كل صنم جنية، وقال ابن عباس: في كل صنم شيطان تتراءى للسدنة فتكلمهم".
7- روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر قال: "ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على الرجل فدعي له فقال له ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال عمر صدق بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه يقول يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا أنت فوثب القوم قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إلله إلا الله فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي".
وفي الحديث نص على أن عمر قد وجد هذا عند آلهتهم.
(ب) وقتهم:
وقد أخبرنا الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنهم ينتشرون ويكثرون بحلول الظلام ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة.
1- ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باب مغلقاً".
قال ابن الجوزي: والحكمة في انتشارهم: أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد، ولهذا قال في حديث أبي ذر: "فما يقطع الصلاة؟ قال: الكلب الأسود شيطان" أخرجه مسلم.
ومثلما يتكاثر الجن ويتواجدون في هذه الأوقات فإنه يمنع انتشارهم في أوقات أخرى معلومة وربما يقيدون فيها عن الحركة فمن ذلك أنهم يهربون من الأذان ولا يطيقون سماعه؛ كما يدل عليه:
2- ما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا نودي إلى الصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين . . . إلخ".
3- وتصفد في رمضان، كما أخرج بن ماجه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ....إلخ".
ومن هذه النصوص نستخلص أن أوقات انتشارهم تكثر في الليل حيث الظلام والسكون الذي يساعدهم على الحركة والإيذاء، كما أن تواجدهم قل عند ذكر الآذان والإقامة وفي مراسم العبادة كرمضان.
موتهم
قلنا أن الجن موجود حتى يتناسلون ويتكاثرون حفظاً للنوع، إذ لهم آجال كآجال بني آدم يبلغونها ثم يموتون فيحشرون للحساب والعقاب على ما قدمت أيديهم. وتدل عليه النصوص القرآنية منها:
1- قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه).
2- وقوله تعالى: (كل من عليها فان(26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام(27)).
فهم داخلون في دلالة هاتين الآيتين. لأن لفظ (كل) للعموم و(شيء) لاستغراق جميع الأشياء وكذلك هم من سكان هذه الأرض.
3- وقوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خلدين فيها إلا ما شاء الله).
فهذه الآية صريحة في موتهم، لأن الحشر لابد أن يسبقه الموت.
4- وقوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين).
فالآية تدل على أن هذا العالم قد سبقه عالم آخر من الإنس والجن قد ماتوا وانقضت حياتهم عن هذه الدنيا.
وكذلك يدل على ذلك الأحاديث النبوية منها:
ما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
منقول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد
خلق الجن
خلقهم من نار
إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تدل دلالة قاطعة على أن الجن خلقوا من النار، كما خلق الإنسان من الطين، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1- يقول الله تعالى على لسان إبليس حين أمره بالسجود لآدم –عليه السلام-: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين(12))
2- وإبليس كان من الجن بنص القرآن، يقول تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) الآية(12)
3- ويقول الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصل من حمإ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم(27))
يقول الطبري: "وعنى بالجان هاهنا: إبليس أبا الجن، يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم".
وكذلك يقول القرطبي في تفسيرها: "أي من قبل خلق آدم. وقال الحسن: يعني إبليس ، خلقه الله تعالى قبل آدم –عليه السلام.
4-ويقول تعالى: (وخلق الجان من مارج من نار(15))
5- وقد أخرج في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "خلقت الملائكة من نور، والجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".
أصنافهم ومراتبهم
الجن ثلاث أصناف، كما جاء في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "الجن ثلاث أصناف: فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون".
قال ابن عبد البر: الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون على مراتب:
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا: جني.
2- فإن أرادوا أنه ممكن يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمار.
3- فإن كان ممن يعرض للصبيان. قالوا: أرواح.
4- فإن خبث وتعزم فهو شيطان.
5- فإذا زاد على ذلك فهو مارد.
6- فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت، وجمعه عفاريت.
خلقهم ذكورا وإناثاً
يوجد في عالم الجن الذكور والإناث وبذلك يتم تزاوجهم وتناسلهم.
1- قال الله سبحانه وتعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا).
هذه الآية تفيد بأن هناك رجالاً من الجن، وهو الأمر الذي يتطلب نوعا آخر منهم وهو الإناث، أم متى كان فيهم رجال ففيهم إناث البتة.
2- كما يدل على ذلك قوله تعالى: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان(56)) فهو يشير إلى وجود ذكور الجن.
وقد امتن الله على الخلائق بأن جعل فيهم من كل جنس نوعين الذكر والأنثى.
3- قال تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون(49)).
أماكن تواجد الجن ومساكنهم
(أ) أماكن تواجدهم:
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، فهم من أهل الأرض وقد أرسل إليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي بيانه.
وقد حال الله بينهم وبين الإضرار بالناس بنواميس يعلمها الله تعالى، ومن النادر أن يحدث منهم إضرار بالبشر، ولعل ذلك ليشعر الناس بوجودهم، ويدركون عظمة الله وقدرته إلى جانب رحمته وفضله، فبضدها تتميز الأشياء. لأن قدرته تعالى أن يخلق كائنات مضرة ولكنه يلزمها حدودها.
قال ابن تيمية: "يوجدون كثيراً في الخراب والفلوات، ويوجدون في مراضع النجسات كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والمقابر. والشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، وتكون أحوالهم شيطانية لا رحمانية يأوون كثيراً إلى هذه الأماكن التي هي مأوى للشياطين.
وقد جاءت الآثار بالنهي عن الصلاة فيها، لأنها مأوى للشياطين. والفقهاء منهم من علل النهي بكونها مظنة النجاسات ومنهم من قال: إنه تعبد لا يعقل معناه. والصحيح أن العلة في الحمام وأعطاه الإبل ونحو ذلك أنها مأوى الشياطين، وفي المقبرة أن ذلك ذريعة إلى الشرك، مع أن المقابر تكون أيضاً مأوى الشياطين".
1- ولذلك كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
2- وأخرج أبو داود في سننه، عن زيد بن الأرقم ، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث".
فإذا قال المختلي الدعاء احتجب عن إبصارهم، فلا يرون عورته.
3- كما روى ابن ماجة في سننه عن علي –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم، إذا دخل الكنيف، أن يقول بسم الله".
وفي لفظ الترمذي: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله".
4- وأخرج أبو داود، من طريق قتادة، عن عبدالله بن سرجس: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "نهى أن يبال في الجحر". قال: قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن.
وما قاله قتادة محمول في الظاهر على السماع من الصحابة وإذا سمعه من الصحابة فقد يكون في حكم المرفوع، لأن أمثال هذه المسائل يقال فيها بالاجتهاد، اللهم إذا استدل بعمومات بعض النصوص الدالة على أن الجن يفضلون بعض الأماكن المهجورة والمظلمة والصحاري والجبال، ولذا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يخرج إليها فيدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن، ويعلمهم أمور دينهم. وستأتي الآثار التي تدل على وفادة الجن المروية عن ابن عباس وابن مسعود في الباب الثالث ان شاء الله.
وكذلك غالباً ما يوجد الجن في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق.
5- فقد أوصى الرسول –صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه قائلاً: "لا تكونن، إن استطعت، أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها. فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته".
ومما ينبغي الإشارة إليه أن الأسواق إنما كانت مجمعاً للشياطين ليس على أنها أماكن يسكنونها كالفلوات والحمامات مثلا وإنما لكونها فرصة لإغواء بني آدم وتزيين المعاصي والشرور لهم في مثل هذه التجمعات.
وأنهم يحبون الجلوس بين الظل والشمس، لذا نهى الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس بينهما.
6-كما روى أحمد بن حنبل في مسنده: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجلس بين الضحى والظل وقال مجلس الشيطان".
وأنهم يبيتون في البيوت التي يسكنها الناس، وتطردهم التسمية وذكر الله، وقراءة القرآن. فإذا خلا البيت من السكان استوطنه الجن وعكفوا فيه.
وأنهم يتواجدون في معابد الكفرة وأحياناً يدخلون الأصنام ويكلمون عابديها.
قال ابن تيمية: "والأصنام لها شياطين كانت تتراءى للسدنة أحياناً وتكلمهم أحياناً، قال أبي بن كعب: مع كل صنم جنية، وقال ابن عباس: في كل صنم شيطان تتراءى للسدنة فتكلمهم".
7- روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر قال: "ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على الرجل فدعي له فقال له ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال عمر صدق بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه يقول يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا أنت فوثب القوم قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إلله إلا الله فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي".
وفي الحديث نص على أن عمر قد وجد هذا عند آلهتهم.
(ب) وقتهم:
وقد أخبرنا الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنهم ينتشرون ويكثرون بحلول الظلام ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة.
1- ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باب مغلقاً".
قال ابن الجوزي: والحكمة في انتشارهم: أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد، ولهذا قال في حديث أبي ذر: "فما يقطع الصلاة؟ قال: الكلب الأسود شيطان" أخرجه مسلم.
ومثلما يتكاثر الجن ويتواجدون في هذه الأوقات فإنه يمنع انتشارهم في أوقات أخرى معلومة وربما يقيدون فيها عن الحركة فمن ذلك أنهم يهربون من الأذان ولا يطيقون سماعه؛ كما يدل عليه:
2- ما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا نودي إلى الصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين . . . إلخ".
3- وتصفد في رمضان، كما أخرج بن ماجه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ....إلخ".
ومن هذه النصوص نستخلص أن أوقات انتشارهم تكثر في الليل حيث الظلام والسكون الذي يساعدهم على الحركة والإيذاء، كما أن تواجدهم قل عند ذكر الآذان والإقامة وفي مراسم العبادة كرمضان.
موتهم
قلنا أن الجن موجود حتى يتناسلون ويتكاثرون حفظاً للنوع، إذ لهم آجال كآجال بني آدم يبلغونها ثم يموتون فيحشرون للحساب والعقاب على ما قدمت أيديهم. وتدل عليه النصوص القرآنية منها:
1- قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه).
2- وقوله تعالى: (كل من عليها فان(26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام(27)).
فهم داخلون في دلالة هاتين الآيتين. لأن لفظ (كل) للعموم و(شيء) لاستغراق جميع الأشياء وكذلك هم من سكان هذه الأرض.
3- وقوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خلدين فيها إلا ما شاء الله).
فهذه الآية صريحة في موتهم، لأن الحشر لابد أن يسبقه الموت.
4- وقوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين).
فالآية تدل على أن هذا العالم قد سبقه عالم آخر من الإنس والجن قد ماتوا وانقضت حياتهم عن هذه الدنيا.
وكذلك يدل على ذلك الأحاديث النبوية منها:
ما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
منقول