معنى الأذان:
الأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس} [التوبة: 3]، أي إعلام "وأذِّن في الناس بالحج" [الحج: 27] أي أعلمهم.
وشرعاً: قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة. أو هو الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة.
مشروعيته وفضله:
دل القرآن والسنة والإجماع على شرعية الأذان، لأن فيه فضلاً كثيراً وأجراً عظيماً.
فمن القرآن: قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة ...} [المائدة: 58].
ومن السنة: أحاديث كثيرة، منها خبر الصحيحين: "إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم" رواه مالك، ودل حديث عبد الله بن زيد على كيفية الأذان المعروف بالرؤيا التي أيده فيها عمر بن الخطاب في حديث طويل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود وأحمد.
والخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة كما أخرجه مسلم عن ابن عمر، وعلى هذا كانت رؤيا الأذان في السنة الأولى من الهجرة، وأيده النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الأذان ثواب كبير، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتهموا عليه(1) لاستهموا عليه" متفق عليه، وقوله عليه السلام: "إذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخاري.
وفي حديث آخر: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة".
_________________
(1) الاستهام : الاقتراع.
واعتبر الأذان مع الإقامة عند الشافعي والحنابلة أفضل من الإمامة، لقوله تعالى:
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً} [فصلت: 33] رواه أبو داود والترمذي، قالت عائشة: هم المؤذنون، وللأخبار السابقة في فضيلته، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" رواه أبو داود والترمذي. والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، ولم يتوله النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه لضيق وقتهم عنه.
وقال الحنفية: الإقامة والإمامة أفضل من الأذان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه تولوا الإمامة، ولم يتولوا الأذان.
حكم الأذان:
الأذان والإقامة عند الجمهور (غير الحنابلة): سنة مؤكدة للرجال جماعة في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة، دون غيرها، كالعيد والكسوف والتراويح وصلاة الجنازة، ويقال فيها عند أدائها جماعة: "الصلاة جامعة" لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: "لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نودي: الصلاة جامعةٌ" أما الأذان والإقامة، فلأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، والقيام إليها. ولا تسن للنافلة والمنذورة. ودليلهم على السنية الحديث السابق: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، لاستهموا عليه" ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما في حديث الأعرابي، مع ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة. وبناء عليه: لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على ترك الأذان إذا قام به غيرهم ولم يضربوا ولم يحسبوا.
وأضاف الشافعية والمالكية أنه يستحب الإقامة وحدها لا الأذان للمرأة أو جماعة النساء، منعاً من خوف الفتنة برفع المرأة الصوت به. وقال الحنفية: إنه تكره الإقامة كالأذان للنساء، لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما له، ولأن مبنى حالهن على الستر، ورفع صوتهن حرام.
الأذان للفائتة وللمنفرد:
عند الشافعي: يستحب أيضاً الأذان والإقامة للمنفرد أيضاً أداء أو قضاء رغم سماع أذان الحي أو المسجد، ويرفع صوته بالأذان إلا إذا كان بمسجد وقعت فيه جماعة، لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى، وإن اجتمع على المصلي فوائت أو جمع تقديماً أو تأخيراً أذن للأولى وحدها، لما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين" والمستحب عند الشافعي أن يكون للجمعة أذان واحد بين يدي الإمام عند المنبر، لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بلال.
وهذا مذهب الشافعية في الفوائت. وقال الحنفية: يؤذن المصلي للفائتة ويقيم، لأنها بمنزلة الحاضرة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، وكان مخيراً في الباقية بعدها: إن شاء أذن وأقام لكل واحدة، وهو أولى، لأن ما سن للصلاة في أذانها، سن في قضائها كسائر المسنونات. وإن شاء اقتصر فيما بعد الأولى على الإقامة، لأن الأذان للاستحضار، وهم حضور، والأولى الأذان والإقامة لكل لفريضة، بدليل حديث ابن مسعود عند أبي يعلى حينما شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب عن الصلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر النبي صلى بلالاً بالأذان والإقامة لكل صلاة. رواه الترمذي والنسائي.
وقال مالك: إنه يقيم ولا يؤذن، لما روى أبو سعيد قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأمره فأقام الظهر فصلاها، ثم أمره فأقام العصر فصلاها" ولأن الأذان للإعلام بالوقت، وقد فات. وعلى هذا قال المالكية: يكره الأذان لفائتة، ولصلاة ذات وقت ضروري (أي المجموعة مع غيرها جمع تقديم أو تأخير) ولصلاة جنازة ونافلة كعيد وكسوف.
وقيد المالكية سنية الأذان في كل مسجد ولو تلاصقت المساجد: بجماعة طلبت غيرها، سواء في حضر أو سفر، ولا يسن لمنفرد أو جماعة لم تطلب غيرها، بل يكره لهم إن كانوا في حضر.
ويندب لمنفرد أو لجماعة لا تطلب غيرها في أثناء السفر، ولو لمسافة دون مسافة القصر (89 كم).
أما أكثر الحنابلة فقالوا: الأذان والإقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون غيرها، للحديث السابق: "إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" والأمر يقتضي الوجوب على أحدهم، وعن أبي الدرداء مرفوعاً: "ما من ثلاثة لا يؤذنون، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" رواه أبو داود والنسائي، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانا فرضي كفاية كالجهاد، فإذا قام به البعض، سقط عن الباقين، وبناء عليه يقاتل أهل بلد تركوها.
ويكره ترك الأذان والإقامة للصلوات الخمس، ولا يعيد.
ويكفي أذان واحد في المصر، ويكتفي بقية المصلين بالإقامة.
وهو رأي الحنفية والمالكية أيضاً، خلافاً للشافعية كما بينا، ودليلهم أن ابن مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان، قال سفيان: كفتهم إقامة المصر لكن قال الحنفية: من صلى في بيته في المصر، يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة الجماعة، وإن تركهما جاز، لقول ابن مسعود: "أذان الحي يكفينا".
ومن فاتته صلوات، أو جمع بين صلاتين في وقت أولاهما استحب له أن يؤذن للأولى، ثم يقيم لكل صلاة إقامة، وهو موافق لقول الشافعية. ودليلهم على ذلك حديث أبي سعيد المتقدم: "إذا كنت في غنمك .." وحديث أبي قتادة "أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فناموا حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فأذن الناس بالصلاة" متفق عليه.
ومن دخل مسجداً قد صلي فيه، فإن شاء أذن وأقام، لما روى الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس: "أنه دخل مسجداً قد صلوا فيه، فأمر رجلاً فأذن وأقام، فصلى بهم في جماعة" وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة.
وليس على النساء أذان ولا إقامة، خلافاً للشافعية والمالكية في الإقامة، لما روى النجاد بإسناده عن أسماء بنت بريد، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس على النساء أذان ولا إقامة".
والخلاصة: أنه يؤذن للفائتة عند الجمهور، ويكره ذلك عند المالكية، ويسن الأذان للرجال دون النساء، بالاتفاق، وتسن الإقامة للمرأة سراً عند الشافعية والمالكية، وتكره عند الحنفية، ولا تشرع عند الحنابلة. ويكفي عند الجمهور أذان الحي، ولا يكفي عند الشافعية.
شروط الأذان:
يشترط في الأذان والإقامة ما يأتي:
1- دخول الوقت: فلا يصح الأذان ويحرم باتفاق الفقهاء قبل دخول وقت الصلاة، فإن فعل أعاد في الوقت، لأن الأذان للإعلام، وهو قبل دخول الوقت تجهيل. ولذا يحرم الأذان قبل الوقت لما فيه من التلبيس والكذب بالإعلام بدخول الوقت، كما يحرم تكرير الأذان عند الشافعية، وليس منه أذان المؤذنين المعروف.
لكن أجاز الجمهور غير الحنفية: الأذان للصبح بعد نصف الليل، ويندب بالسَّحَر وهو سدس الليل الأخير، ثم يعاد استناناً عند طلوع الفجر الصادق، لخبر الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: "إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" زاد البخاري: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" لكن ينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يؤذن في وقت واحد في الليالي كلها، منعاً للالتباس على الناس. ويشترط في المرتب (الموظف) للأذان علمه بالمواقيت، أما غير الموظف فلا يشترط علمه بالمواقيت، فمن أذن لنفسه أو لجماعة مرة، أو كان أعمى، صح أذانه إذا علم من غيره دخول الوقت.
2- أن يكون باللغة العربية، فلا يصح بغيرها إن أذن لجماعة، فإن أذن غير العربي لنفسه وهو لا يحسن العربية، جاز عند الشافعية، ولم يجز مطلقاً عند الحنابلة والحنفية لوروده بلسان عربي كالقرآن.
3- يشترط في الأذان والإقامة إسماع بعض الجماعة، وإسماع نفسه إن كان منفرداً.
4- الترتيب والموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة: اتباعاً للسنة كما روى مسلم وغيره، ولأن الموالاة بين كلمات الأذان يخل بالإعلام، فلا يصح الأذان إلا مرتباً، كما لا يصح بغير المتوالي ويعاد غير المرتب وغير المتوالي، ولا يضر فاصل يسير بنوم أو إغماء أو سكوت أو كلام ويبطل بالردة عند الفقهاء، فإن ارتد بعد انتهاء الأذان لم يبطل. وهذا شرط عند الشافعية والحنابلة. وقال الحنفية والمالكية: يسن ترتيب كلمات الأذان والإقامة، والموالاة بينها، ويصح بغير الترتيب والموالاة، مع الكراهة، والأفضل أن يعيد الأذان والإقامة.
ويرى بعض الحنابلة أن الأذان يبطل بالكلام المحرم ولو يسيراً كالسب ونحوه، وفيوجه آخر لا يبطل كالكلام المباح.
5- كونه من شخص واحد: فلو أذن مؤذن ببعضه، ثم أتمه غيره لم يصح، كما لا يصح إذا تناوبه اثنان بحيث يأتي كل واحد بجملة غير التي يأتي بها الآخر، لأن الأذان عبادة بدنية، فلا يصح من شخصين يبني أحدهما على الآخر.
أما اجتماع جماعة على الأذان، بحيث يأتي كل واحد بأذان كامل، فهو صحيح. وأضاف المالكية: أنه يكره اجتماع مؤذنين بحيث يبني بعضهم على ما يقول الآخر. ويكره تعدد الأذان لصلاة واحدة.
ويلاحظ أن أول من أحدث أذانين اثنين معاً هم بنو أمية، والأذان الجماعي غير مكروه كما حقق ابن عابدين.
6- أن يكون المؤذن مسلماً عاقلاً (مميزاً)، رجلاً، فلا يصح أذان الكافر، والمجنون والصبي غير المميز والمغمى عليه والسكران، لأنهم ليسوا أهلاً للعبادة. ولا يصح أذان المرأة، لحرمة أذانها وأنه لا يشرع لها الأذان، فلا تصح إمامتها للرجال، ولأنه يفتتن بصوتها، ولا يصح أذان الخنثى، لأنه لا يعلم كونه رجلاً.
وهذا شرط عند المالكية والشافعية والحنابلة. ويقرب منهم مذهب الحنفية، لأنهم قالوا: يكره تحريكاً أذان هؤلاء الذين لم تتوافر فيهم هذه الشروط، ويستحب إعادته. وعلى هذا: يسن عند الحنفية: أن يكون المؤذن رجلاً عاقلاً تقياً عالماً بالسنة وبأوقات الصلاة. ولا يشترط عند الجمهور (غير المالكية) البلوغ والعدالة، فيصح أذان الصبي المميز، والفاسق، لكن يستحب أن يكون المؤذن بالغاً عدلاً أميناً، لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام، فلا يؤمن أن يغرهم أذانه إذا لم يكن كذلك.
وقال الحنفية: يكره أذان الفاسق ويستحب إعادته.
وقال المالكية: يشترط العدالة والبلوغ في المؤذن، فلا يصح أذان الفاسق، والصبي المميز إلا إذا اعتمد في دخول الوقت على بالغ.
واشتراطهم العدالة لحديث ابن عباس: "ليؤذن لكم خياركم، ويؤمكم قراؤكم" رواه أبو داود وابن ماجه.
ولا يشترط النية عند الحنفية، والشافعية، لكن يشترط الصرف (أي عدم قصد غير الأذان) فلو قصد به تعليم غيره، لم يعتد به.
وتشترط النية عند الفقهاء الآخرين، فإن أتى بالألفاظ المخصوصة بدون قصد الأذان لم يصح.
ولا يشترط في الأذان والإقامة عند جمهور الفقهاء: الطهارة، واستقبال القبلة، والقيام، وعدم الكلام في أثنائه، وإنما يندب ذلك، ويكره الأذان عند الجمهور للمحدث، وللجنب أشد كراهة، والإقامة أغلظ، والكراهة تحريمية عند الحنفية بالنسبة للجنب، ويعاد أذانه عندهم وعند الحنابلة، ولا يكره عند الحنفية أذان المحدث. ودليل ندب الطهارة حديث: "لا يؤذن إلا متوضئ" رواه الترمذي. ويكره الأذان قاعداً، مستدبراً القبلة، كما يكره الكلام فيه.
ويسن عند المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، اتباعاً للسنة، فإن أقام غير المؤذن جاز، لأن بلالاً أذن، وعبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في المنام أقام، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبناء على هذه الشروط: يبطل الأذان والإقامة بردة وسكر وإغماء ونوم طويل وجنون وترك كلمة منهما، ووجود فاصل طويل من سكوت أو كلام.
الأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس} [التوبة: 3]، أي إعلام "وأذِّن في الناس بالحج" [الحج: 27] أي أعلمهم.
وشرعاً: قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة. أو هو الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة.
مشروعيته وفضله:
دل القرآن والسنة والإجماع على شرعية الأذان، لأن فيه فضلاً كثيراً وأجراً عظيماً.
فمن القرآن: قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة ...} [المائدة: 58].
ومن السنة: أحاديث كثيرة، منها خبر الصحيحين: "إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم" رواه مالك، ودل حديث عبد الله بن زيد على كيفية الأذان المعروف بالرؤيا التي أيده فيها عمر بن الخطاب في حديث طويل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود وأحمد.
والخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة كما أخرجه مسلم عن ابن عمر، وعلى هذا كانت رؤيا الأذان في السنة الأولى من الهجرة، وأيده النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الأذان ثواب كبير، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتهموا عليه(1) لاستهموا عليه" متفق عليه، وقوله عليه السلام: "إذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخاري.
وفي حديث آخر: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة".
_________________
(1) الاستهام : الاقتراع.
واعتبر الأذان مع الإقامة عند الشافعي والحنابلة أفضل من الإمامة، لقوله تعالى:
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً} [فصلت: 33] رواه أبو داود والترمذي، قالت عائشة: هم المؤذنون، وللأخبار السابقة في فضيلته، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" رواه أبو داود والترمذي. والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، ولم يتوله النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه لضيق وقتهم عنه.
وقال الحنفية: الإقامة والإمامة أفضل من الأذان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه تولوا الإمامة، ولم يتولوا الأذان.
حكم الأذان:
الأذان والإقامة عند الجمهور (غير الحنابلة): سنة مؤكدة للرجال جماعة في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة، دون غيرها، كالعيد والكسوف والتراويح وصلاة الجنازة، ويقال فيها عند أدائها جماعة: "الصلاة جامعة" لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: "لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نودي: الصلاة جامعةٌ" أما الأذان والإقامة، فلأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، والقيام إليها. ولا تسن للنافلة والمنذورة. ودليلهم على السنية الحديث السابق: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، لاستهموا عليه" ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما في حديث الأعرابي، مع ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة. وبناء عليه: لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على ترك الأذان إذا قام به غيرهم ولم يضربوا ولم يحسبوا.
وأضاف الشافعية والمالكية أنه يستحب الإقامة وحدها لا الأذان للمرأة أو جماعة النساء، منعاً من خوف الفتنة برفع المرأة الصوت به. وقال الحنفية: إنه تكره الإقامة كالأذان للنساء، لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما له، ولأن مبنى حالهن على الستر، ورفع صوتهن حرام.
الأذان للفائتة وللمنفرد:
عند الشافعي: يستحب أيضاً الأذان والإقامة للمنفرد أيضاً أداء أو قضاء رغم سماع أذان الحي أو المسجد، ويرفع صوته بالأذان إلا إذا كان بمسجد وقعت فيه جماعة، لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى، وإن اجتمع على المصلي فوائت أو جمع تقديماً أو تأخيراً أذن للأولى وحدها، لما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين" والمستحب عند الشافعي أن يكون للجمعة أذان واحد بين يدي الإمام عند المنبر، لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بلال.
وهذا مذهب الشافعية في الفوائت. وقال الحنفية: يؤذن المصلي للفائتة ويقيم، لأنها بمنزلة الحاضرة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، وكان مخيراً في الباقية بعدها: إن شاء أذن وأقام لكل واحدة، وهو أولى، لأن ما سن للصلاة في أذانها، سن في قضائها كسائر المسنونات. وإن شاء اقتصر فيما بعد الأولى على الإقامة، لأن الأذان للاستحضار، وهم حضور، والأولى الأذان والإقامة لكل لفريضة، بدليل حديث ابن مسعود عند أبي يعلى حينما شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب عن الصلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر النبي صلى بلالاً بالأذان والإقامة لكل صلاة. رواه الترمذي والنسائي.
وقال مالك: إنه يقيم ولا يؤذن، لما روى أبو سعيد قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأمره فأقام الظهر فصلاها، ثم أمره فأقام العصر فصلاها" ولأن الأذان للإعلام بالوقت، وقد فات. وعلى هذا قال المالكية: يكره الأذان لفائتة، ولصلاة ذات وقت ضروري (أي المجموعة مع غيرها جمع تقديم أو تأخير) ولصلاة جنازة ونافلة كعيد وكسوف.
وقيد المالكية سنية الأذان في كل مسجد ولو تلاصقت المساجد: بجماعة طلبت غيرها، سواء في حضر أو سفر، ولا يسن لمنفرد أو جماعة لم تطلب غيرها، بل يكره لهم إن كانوا في حضر.
ويندب لمنفرد أو لجماعة لا تطلب غيرها في أثناء السفر، ولو لمسافة دون مسافة القصر (89 كم).
أما أكثر الحنابلة فقالوا: الأذان والإقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون غيرها، للحديث السابق: "إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" والأمر يقتضي الوجوب على أحدهم، وعن أبي الدرداء مرفوعاً: "ما من ثلاثة لا يؤذنون، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" رواه أبو داود والنسائي، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانا فرضي كفاية كالجهاد، فإذا قام به البعض، سقط عن الباقين، وبناء عليه يقاتل أهل بلد تركوها.
ويكره ترك الأذان والإقامة للصلوات الخمس، ولا يعيد.
ويكفي أذان واحد في المصر، ويكتفي بقية المصلين بالإقامة.
وهو رأي الحنفية والمالكية أيضاً، خلافاً للشافعية كما بينا، ودليلهم أن ابن مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان، قال سفيان: كفتهم إقامة المصر لكن قال الحنفية: من صلى في بيته في المصر، يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة الجماعة، وإن تركهما جاز، لقول ابن مسعود: "أذان الحي يكفينا".
ومن فاتته صلوات، أو جمع بين صلاتين في وقت أولاهما استحب له أن يؤذن للأولى، ثم يقيم لكل صلاة إقامة، وهو موافق لقول الشافعية. ودليلهم على ذلك حديث أبي سعيد المتقدم: "إذا كنت في غنمك .." وحديث أبي قتادة "أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فناموا حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فأذن الناس بالصلاة" متفق عليه.
ومن دخل مسجداً قد صلي فيه، فإن شاء أذن وأقام، لما روى الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس: "أنه دخل مسجداً قد صلوا فيه، فأمر رجلاً فأذن وأقام، فصلى بهم في جماعة" وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة.
وليس على النساء أذان ولا إقامة، خلافاً للشافعية والمالكية في الإقامة، لما روى النجاد بإسناده عن أسماء بنت بريد، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس على النساء أذان ولا إقامة".
والخلاصة: أنه يؤذن للفائتة عند الجمهور، ويكره ذلك عند المالكية، ويسن الأذان للرجال دون النساء، بالاتفاق، وتسن الإقامة للمرأة سراً عند الشافعية والمالكية، وتكره عند الحنفية، ولا تشرع عند الحنابلة. ويكفي عند الجمهور أذان الحي، ولا يكفي عند الشافعية.
شروط الأذان:
يشترط في الأذان والإقامة ما يأتي:
1- دخول الوقت: فلا يصح الأذان ويحرم باتفاق الفقهاء قبل دخول وقت الصلاة، فإن فعل أعاد في الوقت، لأن الأذان للإعلام، وهو قبل دخول الوقت تجهيل. ولذا يحرم الأذان قبل الوقت لما فيه من التلبيس والكذب بالإعلام بدخول الوقت، كما يحرم تكرير الأذان عند الشافعية، وليس منه أذان المؤذنين المعروف.
لكن أجاز الجمهور غير الحنفية: الأذان للصبح بعد نصف الليل، ويندب بالسَّحَر وهو سدس الليل الأخير، ثم يعاد استناناً عند طلوع الفجر الصادق، لخبر الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: "إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" زاد البخاري: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" لكن ينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يؤذن في وقت واحد في الليالي كلها، منعاً للالتباس على الناس. ويشترط في المرتب (الموظف) للأذان علمه بالمواقيت، أما غير الموظف فلا يشترط علمه بالمواقيت، فمن أذن لنفسه أو لجماعة مرة، أو كان أعمى، صح أذانه إذا علم من غيره دخول الوقت.
2- أن يكون باللغة العربية، فلا يصح بغيرها إن أذن لجماعة، فإن أذن غير العربي لنفسه وهو لا يحسن العربية، جاز عند الشافعية، ولم يجز مطلقاً عند الحنابلة والحنفية لوروده بلسان عربي كالقرآن.
3- يشترط في الأذان والإقامة إسماع بعض الجماعة، وإسماع نفسه إن كان منفرداً.
4- الترتيب والموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة: اتباعاً للسنة كما روى مسلم وغيره، ولأن الموالاة بين كلمات الأذان يخل بالإعلام، فلا يصح الأذان إلا مرتباً، كما لا يصح بغير المتوالي ويعاد غير المرتب وغير المتوالي، ولا يضر فاصل يسير بنوم أو إغماء أو سكوت أو كلام ويبطل بالردة عند الفقهاء، فإن ارتد بعد انتهاء الأذان لم يبطل. وهذا شرط عند الشافعية والحنابلة. وقال الحنفية والمالكية: يسن ترتيب كلمات الأذان والإقامة، والموالاة بينها، ويصح بغير الترتيب والموالاة، مع الكراهة، والأفضل أن يعيد الأذان والإقامة.
ويرى بعض الحنابلة أن الأذان يبطل بالكلام المحرم ولو يسيراً كالسب ونحوه، وفيوجه آخر لا يبطل كالكلام المباح.
5- كونه من شخص واحد: فلو أذن مؤذن ببعضه، ثم أتمه غيره لم يصح، كما لا يصح إذا تناوبه اثنان بحيث يأتي كل واحد بجملة غير التي يأتي بها الآخر، لأن الأذان عبادة بدنية، فلا يصح من شخصين يبني أحدهما على الآخر.
أما اجتماع جماعة على الأذان، بحيث يأتي كل واحد بأذان كامل، فهو صحيح. وأضاف المالكية: أنه يكره اجتماع مؤذنين بحيث يبني بعضهم على ما يقول الآخر. ويكره تعدد الأذان لصلاة واحدة.
ويلاحظ أن أول من أحدث أذانين اثنين معاً هم بنو أمية، والأذان الجماعي غير مكروه كما حقق ابن عابدين.
6- أن يكون المؤذن مسلماً عاقلاً (مميزاً)، رجلاً، فلا يصح أذان الكافر، والمجنون والصبي غير المميز والمغمى عليه والسكران، لأنهم ليسوا أهلاً للعبادة. ولا يصح أذان المرأة، لحرمة أذانها وأنه لا يشرع لها الأذان، فلا تصح إمامتها للرجال، ولأنه يفتتن بصوتها، ولا يصح أذان الخنثى، لأنه لا يعلم كونه رجلاً.
وهذا شرط عند المالكية والشافعية والحنابلة. ويقرب منهم مذهب الحنفية، لأنهم قالوا: يكره تحريكاً أذان هؤلاء الذين لم تتوافر فيهم هذه الشروط، ويستحب إعادته. وعلى هذا: يسن عند الحنفية: أن يكون المؤذن رجلاً عاقلاً تقياً عالماً بالسنة وبأوقات الصلاة. ولا يشترط عند الجمهور (غير المالكية) البلوغ والعدالة، فيصح أذان الصبي المميز، والفاسق، لكن يستحب أن يكون المؤذن بالغاً عدلاً أميناً، لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام، فلا يؤمن أن يغرهم أذانه إذا لم يكن كذلك.
وقال الحنفية: يكره أذان الفاسق ويستحب إعادته.
وقال المالكية: يشترط العدالة والبلوغ في المؤذن، فلا يصح أذان الفاسق، والصبي المميز إلا إذا اعتمد في دخول الوقت على بالغ.
واشتراطهم العدالة لحديث ابن عباس: "ليؤذن لكم خياركم، ويؤمكم قراؤكم" رواه أبو داود وابن ماجه.
ولا يشترط النية عند الحنفية، والشافعية، لكن يشترط الصرف (أي عدم قصد غير الأذان) فلو قصد به تعليم غيره، لم يعتد به.
وتشترط النية عند الفقهاء الآخرين، فإن أتى بالألفاظ المخصوصة بدون قصد الأذان لم يصح.
ولا يشترط في الأذان والإقامة عند جمهور الفقهاء: الطهارة، واستقبال القبلة، والقيام، وعدم الكلام في أثنائه، وإنما يندب ذلك، ويكره الأذان عند الجمهور للمحدث، وللجنب أشد كراهة، والإقامة أغلظ، والكراهة تحريمية عند الحنفية بالنسبة للجنب، ويعاد أذانه عندهم وعند الحنابلة، ولا يكره عند الحنفية أذان المحدث. ودليل ندب الطهارة حديث: "لا يؤذن إلا متوضئ" رواه الترمذي. ويكره الأذان قاعداً، مستدبراً القبلة، كما يكره الكلام فيه.
ويسن عند المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، اتباعاً للسنة، فإن أقام غير المؤذن جاز، لأن بلالاً أذن، وعبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في المنام أقام، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبناء على هذه الشروط: يبطل الأذان والإقامة بردة وسكر وإغماء ونوم طويل وجنون وترك كلمة منهما، ووجود فاصل طويل من سكوت أو كلام.